ونحن نستذكر ذكراه، ونستعيد صفحات ما أنجزه وأبدعه وبناه، لا يسعنا إلا أن نترحم على روح الوالد الباني ومؤسس دبي الحديثة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، الحكيم الذي سبق زمانه، والقائد الذي أنار عصره، والفارس الذي تعرفه مدارات الإباء وساحات البذل والعطاء ومسارات الاعتزاز بالانتماء، حيث لم يعرقل خطاه مستحيل، ولم تعصف بإرادته الرياح التي عرفتها المنطقة عندما ركد سوق اللؤلؤ أوعندما قامت الحروب أو عندما شحّت الإمكانيات المادية، وإنما زادته قوة وإصرارا على نيل المطالب بالتضحيات، وتجاوز الصعاببالرؤى الثاقبات والعزائم الواثبات، وعلى تحويل دبي إلى منارة للإشعاع بالعمل والإبداع منذ أن تولى ولاية العهد في العام 1938، ثم توليهالحكم في العام 1958 على إثر والده الحاكم الصالح المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم.
إن تاريخ دبي الحديث، وإن كان امتدادا لمنجَز سياسي وثقافي وحضاري عظيم رسخته ارادات أسرة آل مكتوم ، فإن بدايته الحقيقية كانتعلى يد الشيخ راشد، القائد الكاريزمي الواثق، صاحب الفكر المتقدم في تكريس منظومة الحكم الرشيد، وصاحب الفهم العميق لاسلوبالتعامل المثالي مع التحولات الداخلية والخارجية، وهو ما كان تأكد من خلال المشاريع الكبرى التي أنجزها منذ إعادة تأهيل الخور، وبعثشركات الخدمات كالماء والكهرباء والاتصالات والمطار والخدمات البلدية وتهيئة الطرق وإرساء منظومة أمنية وطنية راقية الأداء، انطلاقامن أهمية البنى التحتية والأمن والاستقرار في التأسيس للاقتصاد القوي وجلب الاستثمارات وتحويل دبي إلى مركز دولي للصناعة والتجارةوالخدمات، وقد كان لمبادرته الرائعة بتأسيس ميناء جبل علي دور مهم في تفعيل الرؤية التنموية عندما لم يكن هناك من يمكن أن يقتنع بها ،ولكنها الرؤية كما أشار اليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي حفظه الله ورعاه.
إن الحديث عن الشيخ راشد، يقودنا الى الحديث عن خصاله النموذجية وسجاياه المثالية، حيث وكما سبق عصره برؤيته الاقتصادية، كان لإيمانه بالعلم والمعرفة دور بالغ في تحويل دبي الى بيئة صالحة للتفاعل الايجابي مع التحولات العلمية والتقنية والحضارية على صعيد العالم، كما كان لثقافة الحوار التي عُرف بها في مجلسه العامر بُعدها الديمقراطي الأصيل في معناه العميق والأصيل والمنسجم مع الخصوصية الثقافية للشعب حيث يتحول المجلس الى برلمان يتسع لكل أبناء الوطن، ويتحول ديوان الحاكم الى منبر يستقبل جميع الأراء مهما اختلفت أوتعددت أو تنوعت، فلا إقصاء ولا إلغاء ولا استثناء لأي موقف أو رأي، طالما نيته الإصلاح.